من الأسئلة التي تتبادر إلى أذهان العديد من المسلمين في عصرنا الحديث هي مسألة الصلاة بملابس تحتوي على رسومات أو صور، خاصة مع تطور صناعة الملابس وانتشار الرسومات والزخارف التي قد تحمل صورًا لأشخاص أو حيوانات أو أشياء غير تقليدية. ويتساءل الكثيرون عن حكم الصلاة في هذه الملابس وما إذا كان يجوز تغطية تلك الرسومات أثناء الصلاة.
حكم الصلاة بملابس فيها رسومات
في الشريعة الإسلامية، يوجد اتفاق بين الفقهاء على أن اللباس الذي يصلي فيه المسلم يجب أن يكون طاهراً ومستوفياً للشروط الأساسية التي تضمن صحة الصلاة. ومن أهم هذه الشروط:
- طهارة الثياب: يجب أن تكون الملابس طاهرة وخالية من النجاسات، كما يجب أن تغطي العورة، وهي عند الرجال من السرة إلى الركبة، وعند النساء جميع الجسم ما عدا الوجه والكفين.
- عدم تشتيت الانتباه: يُفضل في الشريعة أن تكون ملابس المصلي بسيطة ولا تحتوي على ما يشتت ذهنه أو أذهان المصلين الآخرين، مثل الألوان الفاقعة أو الرسومات الكبيرة.
الملابس التي تحتوي على رسومات أو صور
الرسومات والصور على الملابس قد تثير بعض التساؤلات، خاصة إذا كانت تحتوي على صور لكائنات حية (مثل البشر أو الحيوانات)، وهو ما يُعد محظورًا في بعض الآراء الفقهية. في هذا السياق، فإن بعض العلماء يشيرون إلى أن الصلاة في ملابس تحتوي على صور غير محبذ، لكن لا تبطل الصلاة طالما أن اللباس يغطي العورة ويستوفي شروط الطهارة.
ومع ذلك، هناك أحكام أكثر تحديدًا بناءً على طبيعة الرسومات:
- الرسومات التي تحتوي على صور لكائنات حية: العديد من الفقهاء يعتبرون أن الصور التي تحتوي على كائنات حية (كالإنسان أو الحيوان) مكروهة، لأنها قد تذكر المصلي بأمور دنيوية وتشتت انتباهه عن الصلاة. يستدل هؤلاء الفقهاء بأحاديث نبوية تنهى عن وجود الصور في البيوت، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّورَ” (رواه البخاري).
- الرسومات والزخارف المجردة: إذا كانت الرسومات لا تصور كائنات حية وإنما هي زخارف أو أشكال هندسية، فالأمر أكثر تساهلاً في هذه الحالة. فهذه الزخارف لا تحمل نفس الحكم المتشدد مثل صور الكائنات الحية.
هل يجوز الصلاة بملابس فيها رسومات مع تغطيتها؟
إذا كانت الملابس التي يرتديها المصلي تحتوي على رسومات أو صور، فإن تغطيتها بلباس آخر أثناء الصلاة قد يكون حلاً مناسبًا. في هذه الحالة، يمكن القول بأن الصلاة بملابس تحتوي على رسومات مع تغطيتها جائزة شرعًا، لأن الغرض الأساسي هو تغطية العورة واستيفاء شروط الصلاة.
ومع ذلك، يُفضل أن تكون الملابس التي يصلي بها المسلم خالية من أي رسومات أو صور بشكل عام، حتى لا ينشغل ذهن المصلي بهذه الأمور أثناء تأدية عبادته. إذ أن الهدف من الصلاة هو الخشوع والتركيز في العبادة، وتجنب أي شيء قد يلهي عن ذلك.
الأدلة الشرعية
- الحديث النبوي: ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفضل البساطة في الملابس أثناء الصلاة، وتجنب الملابس التي قد تحتوي على ما يشتت الانتباه. ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم” (رواه البخاري). يشير هذا الحديث إلى أن النبي ترك تلك الخميصة (الكساء المخطط) لأنها شغلته عن الخشوع في الصلاة.
- الفقهاء: أجمع العديد من الفقهاء على أن الصلاة في ثياب تحتوي على صور أو رسومات لا تبطل، لكنها مكروهة إذا كانت تلهي المصلي أو تشتت انتباهه. وهذا يتفق مع مبدأ أن الصلاة هي علاقة روحية بين العبد وربه، ويجب أن تكون خالية من أي مؤثرات خارجية قد تقلل من خشوع المصلي.
خلاصة الحكم
- الصلاة بملابس فيها رسومات مع تغطيتها: جائزة طالما تم تغطية تلك الرسومات، ولم تكن الصور أو الرسومات بارزة بشكل قد يلفت الانتباه أثناء الصلاة. ولكن يُفضل تجنبها قدر المستطاع.
- الصلاة بملابس بدون تغطية الرسومات: لا تبطل الصلاة، ولكن من الأفضل اختيار ملابس لا تحتوي على صور لكائنات حية أو رسومات معقدة لتجنب التشتيت وتحقيق الخشوع الكامل في الصلاة.
نصائح لاختيار الملابس المناسبة للصلاة
- البساطة: حاول أن تختار ملابس بسيطة خالية من الرسومات أو الصور التي قد تلهيك أثناء الصلاة.
- التأكد من الطهارة: تأكد دائمًا من أن ملابسك طاهرة ونظيفة، وخالية من أي نجاسة.
- اختيار الملابس التي تغطي العورة: تأكد من أن الملابس تغطي العورة بشكل كامل حسب الأحكام الشرعية.
- تجنب الملابس الضيقة: يُفضل ارتداء ملابس فضفاضة أثناء الصلاة لتجنب أي حرج أو ضيق أثناء الحركة.
في النهاية، ينبغي على المسلم أن يحرص على الصلاة في ملابس تساعده على الخشوع والتركيز، ويجنب كل ما قد يشغله عن أداء هذه العبادة العظيمة.